نظمت جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ندوتها الرمضانية الثانية حول "الأدب الإسلامي وموقفه من الحداثة" بحضور د. عبد القدوس أبو صالح، رئيس رابطة الأدب العالمي الإسلامية بالمملكة العربية السعودية الذي تناول في عرضه "الأدب الإسلامي: تعريفه ومفهومه" وأ.د. وليد قصاب، مدير تحرير مجلة الأدب الإسلامي من المملكة العربية السعودية الذي تحدث عن موقف الأدب الإسلامي من الحداثة وما بعد الحداثة، وذلك في مجلس معالي د. سعيد سلمان، الرئيس الأعلى للجامعة. وفي كلمته الافتتاحية خلال الندوة، قال معالي د. سلمان إن الندوات الرمضانية للعام الحالي متكاملة، حيث اعتبر أن الندوات الخمسة تعلن صيحة فيها نوع من تأنيب الضمير. فندوة الأدب الإسلامي وموقفه من الحداثة، يضيف د.سلمان، تتواصل مع الندوة التي ستنظم حول النهوض باللغة العربية. وقال د. سلمان إن التراث الإسلامي يَغُصُّ بألوان مشرقة من مختلف صنوف الأدب الإسلامي وفروعه بدءا بشاعر الرسول (ص) حسان بن ثابت الذي رافق شعره معارك الرسول (ص) والصحابة من بعده ومرورا بشعراء العصر العباسي والأموي الذين اتخذوا من الكلمة سلاحا لا يوازيه سلاح وأداة خطابية تحقق ما تعجز السيوف عن تحقيقه وأداة ساحرة للتأثير في القلوب واستمالة العقول، وهو ما أكده الفاتح صلاح الدين الأيوبي في مقولته: "والله ما فتحت البلاد بالعساكر، ولكن برسائل القاضي الفاصل" ومرورا بأدباء الأندلس وابن خلدون ووصولا إلى الأدباء المسلمين المعاصرين. وقال د. عبد القدوس أبو صالح، رئيس رابطة الأدب العالمي الإسلامية بالسعودية ورئيس تحرير مجلة الأدب الإسلامي خلال عرضه إن الأدب الإسلامي ينبغي أن يكتب باللغة الفصحى وليس بالعامية، معتبرا أن التعبير بالعامية يجب أن يقتصر على الأدب الشفاهي، ومفصلا الأدب الإسلامي إلى ثلاثة دوائر أولاها دائرة الأدب الإسلامي الملتزم بالتصور الإسلامي وثانيها دائرة الأدب الجمالي، الذي وصفه بالأدب المباح، وثالثها دائرة أدب العقائد والإيديولوجيات والتشكيك في الثوابت الشرعية. واستعرض د. أبو صالح نماذج لأشعار وكتابات أدباء إسلاميين من مختلف الحقب وقارن كتاباتهم بإنتاجات عدد من الكتاب الحداثيين الذين ركزت جل كتابتهم على التحرر من كل القيم الأخلاقية والتمرد على كل شيء فيما سموه "حرية التعبير" ومحاولة زعزعة العقيدة والتشكيك في ثوابت الأمة الإسلامية. وقال د. أبو صالح بأن هذا الوضع يستدعي تصحيح العلاقة بين الأدب والعقيدة وإيجاد انسجام أكثر بين عقيدة الفرد وسلوكه حتى يغدو الأدب فعليا ذاك الإحساس المرهف بالجمال والتعبير عن هذا الجمال، معتبرا أن مبادئ الأدب الإسلامي تمثل طوق النجاة لباقي أنواع الآداب العالمية الأخرى. وآخذ د. أبو صالح على الأدباء الحداثيين تركيزهم على الجنس، والتهجم على الدين وتسويغ الانحلال الأخلاقي ومختلف ألوان الرذيلة والسير على خطا كتابات الأديبة الفرنسية فرانسواز ساغان التي وصف كتاباتها بالفضائحية والمروجة للانحلال المجاني كالخيانة الزوجية ومختلف أنواع الفواحش، ومضيفا أن عددا من الحداثيين أضافوا إلى ذلكَ التجريحَ في مقدسات الأمة وثوابتها بما في ذلك القرآن الكريم والذات الإلهية. ونبه د. أبو صالح إلى خطورة هذا التيار الحداثي باعتباره يرمي إلى تغريب الحياة الفنية والاجتماعية، داعيا إلى ضرورة صده عسى أن يحقق الأدباء المسلمون ما عجز عنه الساسة من توحيد آمال الأمة وآلامها. وختم د. أبو صالح كلمته بمناشدة الأدباء المسلمين بالعمل سوية لتحقيق الأهداف المشتركة، معتبرا الأدب الإسلامي بابا من أبواب الجهاد ووسيلة لتجديد الدين الإسلامي في قلوب شباب الأمة، وداعيا إياهم إلى الانضمام إلى رابطة الأدب الإسلامي العالمية التي تضم 16 مكتبا حول العالم العربي الإسلامي والتي، يقول د. أبو صالح، إنها تعاني من التعتيم الإعلامي الكبير الذي يمارس في حقها.
.jpg)
أما د. وليد قصاب، مدير تحرير مجلة الأدب الإسلامي بالسعودية، فقال في مداخلته حول "موقف الأدب الإسلامي من الحداثة وما بعد الحداثة" إن الحداثة لا تعني التجديد ولا تعني المعاصرة وإن ليس كل جديد حداثي وليس كل معاصر حداثي، معتبرا أن الحداثة قضية لازمانية ترنو في جزء كبير منها إلى القطيعة مع غائية الفكر الديني وإحلال العقل محل الوحي والإيمان بالزمن الصاعد القائم على فكرة أن الزمان يمضي دائما نحو الأحسن. وانتقد د. قصاب القراءة "المتحيزة" التي قرئ بها التراث الإسلامي باعتبارها تَمَّتْ من منظار ليبرالي محض، وضرب مثالا على ذلك تصوير الحداثيين للشاعر أبو نواس، حيث ركزوا على مرحلة معينة من حياته الشعرية والتي عرفت بعشقه للخمر والتغزل الإباحي بالملذات المحرمة وأغفلوا "الجوانب المضيئة" من قصائده التي يناجي فيها الله والتي جعلها خاتمة مشواره الشعري. وختم د. قصاب عرضه بطرح العديد من التساؤلات الجدلية مثل هل كل جديد مقبول لدى المسلمين؟ وكيف يكون التجديد؟ وما معاييره؟ وهل ينظر الأدباء المسلمون إلى الحداثة بنفس الطريقة؟ ثم بالقول إن للحداثة جوانب إيجابية كثيرة، فهي أيضا، يضيف د. قصاب، تدعو إلى النظر في الأدوات المعرفية وعدم تبنيها بشكل عشوائي واعتماد العقل والمنهج العلمي.
وتناول العرض الثالث للدكتور محمد رضوان الداية، عضو هيئة التدريس بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، "حركة الأدب الإسلامي"، حيث اعتبر أن الأدب الإسلامي شمل معظم الأغراض الشعرية والأدبية وأن الصراع الثقافي للآداب العالمية في إطار هيمنة الثقافة الواحدة وتنميط الآداب العالمية وتوحيدها يُحَتِّم على الأدباء المسلمين تكثيف جهودهم وإنتاجاتهم لإحلال الأدب الإسلامي مكانته اللائقة بين الأمم وللتعريف به أكثر وجعل رموزه معروفة لدى الشباب والأجيال الناشئة.
وأثيرت خلال النقاش تساؤلات عدة وتعقيبات متنوعة، أولها كانت للأستاذ محمد عبد الرازق الصديق من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، الذي اعتبر أن الشعر العامي أو الأدب العامي بصفة عامة يجب أن يكون مندرجا في الأدب العربي الإسلامي وليس مقتصرا على الرواية الشفاهية كما جاء في عرض د. أبو صالح، كما قال أنه لا يجب إغفال الغالبية العظمى من الكتاب المسلمين غير الناطقين باللغة العربية باعتبار كتابتهم وإنتاجاتهم تشكل النسبة العظمى من الأدب الإسلامي وتعطيه زخما فريدا وتنوعا غنيا. وأجاب د. أبو صالح على ذلك بالقول إن كل إطالة للعامية وفسح المجال لها هو تقصير للغة العربية وتبخيس لها، ضاربا مثالا على ذلك ما تقوم به بعض الصحف العربية في تخصيص صفحات عديدة للأدب العامي دون إعطاء العربية الفصحى نفس الحيز، مما يعد "تبخيسا لقدر اللغة العربية". وقال فؤاد زيدان، محلل إعلامي، إن عددا من الحداثيين مارسوا ما يمكن الاصطلاح عليه بالإفساد الأدبي من خلال كتاباتهم التي كانت بمثابة معاول للهدم الأخلاقي والغزو الفكري وساهموا من ثم في إضعاف قدرة الأمة على النهوض من جديد. ودعا إلى أن لا تظل مواقف المسلمين عبارة عن ردود أفعال على مثل هذه التيارات المسيئة إلى العروبة والإسلام، وإنما تتحول إلى مبادرات عملية هادفة من قبيل تأسيس مدارس فنية وغيرها. وفي تعقيبه على العروض، أوضح د. محمد الديباجي، رئيس قسم اللغة العربية بكلية العربية والدراسات الإسلامية بدبي، أنه يختلف مع د. وليد قصاب في جملة ما ذكره باعتباره ركز على الجوانب السيئة والمظلمة في الحداثة دون تسليط الضوء على الجوانب المضيئة منها، ومضيفا أن الحداثة ليست معولا للهدم فقط وإنما هي تيار لديه أدوات رصينة ومنهجية للبحث العلمي أفرز عددا من عمالقة الأدب الذين لم يعادوا الإسلام قط، وختم تعقيبه بالقول إن الأدب الإسلامي بحاجة إلى منهجية أكثر علمية في الطرح وإلى المزيد من التأصيل في الجامعات والمؤسسات العلمية والمراكز البحثية في العالم العربي الإسلامي. وحول الموضوع ذاته، قال د. رضوان الداية إن محمد علي كان يرسل مع كل بعثة فقيها، مما ضمن له عودتهم جميعا سالمين غانمين، أما مبعوثي القرن العشرين وما تلاه فأُرسِلوا دون حماية ولا حصانة مما جعلهم يعودون محملين بثقافات وأفكار وسلوكيات دخيلة على مجتمعاتنا وناقضة لعراها في عدد من جوانبها. وفي معرض رده على تعقيبات الحاضرين، قال د. أبو صالح إنه أيضا يعتبر الحداثة "تجديدا واعيا" كما وصفها الأديب المغربي الغداني وأنه لا يرفضها جملة وتفصيلا، وأنه يدعو فقط إلى أن تكون معتدلة وأن لا تشمل التيار المتطرف الذي يدعو إلى التجديد في كل ثوابت الأمة بما فيها القرآن الكريم! ومن جهته، قال د. وليد قصاب أنه رغم تركيزه على الحداثة المهيمنة إلا أنه مع "الحداثة الراشدة" والمتزنة. ومن جانبه، قال د. علي زنجير، عضو هيئة التدريس بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، إن الأدب الإسلامي يعاني من التهميش والتبخيس، داعيا إلى العمل على إخراجه من الشرنقة التي يتقوقع داخلها من خلال مبادرات هادفة وجادة مثل تجربة "منشد الشارقة" التي وصفها بالتجربة الفنية الرائدة. وكانت كلمة الختم لمعالي د. سعيد سلمان الذي قال إنه يجب تعزيز الجهود المبذولة من طرف رموز الأدب الإسلامي مثل د. عمر عبد الكافي والعلامة د. يوسف القرضاوي والمفكر د. المهدي المنجرة وغيرهم. وقال د. سعيد سلمان إن السنة كلها حداثة مؤكدا أن الدين الإسلامي هو دين حداثة وتجديد، ضاربا المثال على القرآن الكريم الذي قال عنه إنه يشير إلى الكثير من إيجابيات الحداثة خاصة في منهج البحث العلمي وتحري المعلومة الرصينة وأنها تصبح وسيلة تقدم ونهوض بالأمة إذا حَسُن استخدامها ومواءمتها مع ثقافة الأمة وهويتها. وتوجه معالي د. سلمان بالشكر إلى الحاضرين على نجاحهم في "استفزاز المحاضرين" واعتبر ذلك مقياسا على نجاح الندوة التي "تميزت بسجال فكري وعلمي مهم".
هذا وختمت الندوة بتلاوة التوصيات وهي كالآتي: إنجاز صياغة نظرية للأدب الإسلامي تمثل وجهة نظر جديدة وتحل مشكلات الثقافة وتشمل الآداب والنقد، تشجيع الدراسات العليا من خلال نظرية الأدب الإسلامي، تمتين أواصر التكافل والتعاون في المعالجة النقدية للأدب، منح جوائز تقديرية للنصوص الأدبية الملتزمة في الأدب والنقد، الدخول إلى المسرح والسينما والنصوص الملتزمة والمندرجة في إطار المباح، تشجيع تأليف المسرحيات والقصص وباقي الأجناس الأدبية، متابعة توصيات مثل هذه الندوات من حيث التنفيذ، التواصل مع المعاهد والجامعات وربط النظري بالتطبيقي، تدريس الأدب الإسلامي في المعاهد والجامعات، تأسيس مكتب أو جمعية لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد أعرب معالي د. سعيد سلمان عن تبنيه لهذه التوصيات جملة وتفصيلا ووعد بنقلها إلى رابطة اتحاد الجامعات العربية واتحاد الجامعات الإسلامية وغيرها من المؤسسات التي تتعامل معها الجامعة. من جهته، أعرب د. عبد القدوس أبو صالح، رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، عن ترحيبه بالتوصيات واستعداد الرابطة لتنفيذها بتسخير كل ما لديها من إمكانات.
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربة المستخدم. باستخدامك هذا الموقع، فإنك توافق على شروط سياسة الخصوصية الخاصة بنا.