سعيد سلمان يهنئ الشيخ حميد النعيمي بالدكتوراه الفخرية في ندوة "القدس تاريخ وحضارة" ويدعو إلى مشروع نهضوي لتحرير القدس

الاثنين, ديسمبر 14, 2009
 سعيد سلمان يهنئ الشيخ حميد النعيمي بالدكتوراه الفخرية في ندوة

   في إطار احتفائها بالقدس عاصمة للثقافة العربية، نظمت كلية الهندسة بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بالتعاون مع مركز تريم للعمارة والتراث بدمشق وبرعاية الشركة الألمانية الإماراتية للتجارة والخدمات، ندوة تقاربية بعنوان "القدس تاريخ وحضارة" شارك فيها ثلة من المؤرخين وخبراء التراث والمعمار والإعلاميين من الإمارات وسوريا والأردن وألمانيا وحضرها عدد من الشخصيات الثقافية بالدولة من بينهم أ. محمد دياب الموسى، مستشار صاحب السمو حاكم الشارقة،  أ. بلال البدور، المدير التنفيذي للشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع ، أ. إبراهيم الظاهري، مدير عام دائرة الثقافة والإعلام بعجمان، أ. عوض صالح، ممثل اللجنة الوطنية للثقافة (اليونسكو) بأبوظبي ولفيف من المثقفين والأكاديميين من جامعة ألمانيا الحرة ببرلين. تناولت الندوة ست محاضرات كانت الأولى للدكتور سعيد عبد الله سلمان، الرئيس الأعلى لشبكة الجامعة عرضها من مقر الشركة الألمانية الإماراتية للتجارة والخدمات التي يرأسها والراعية للحدث وذلك عبر تقنية الائتمار عن بعد هنأ من خلالها صاحب السمو الشيخ حميد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان رئيس مجلس أمناء الجامعة على الدكتوراه الفخرية واعتبر ذلك مفخرة للجامعة باعتبار سموه رئيس أمناء الجامعة ولعجمان والإمارات عموما وللنخب العربية المكونة لملامح مشروع الأمة النهضوي للنهوض بالأمة العربية والإسلامية والقادرة وحدها على تحرير أقداسها من خلال بيت حكماء ونخب، تلتها كلمة معالي المهندس رائف نجم، رئيس جمعية حماية القدس الشريف، نائب رئيس لجنة إعمار المسجد الأقصى ووزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بالأردن سابقا قدم خلالها محاضرة بعنوان "القدس في خطر" دق من خلالها نواقيس خطر لاستنفار الأمة العربية والإسلامية، لتطير بعده المهندسة ريم عبد الغني، رئيسة مركز تريم للعمارة والتراث بدمشق في سماء القدس بمحاضرة  بعنوان "حلم مقدسي" عرضت خلالها صورا نادرة لتراث القدس بمآذنه وكنائسه ومعالمه التاريخية التي زارتها في حلمها واستمتعت بها قبل أن تصحو من حلمها الذي قطعه المحتلون الصهاينة. عقبها المهندس رشاد بوخش، رئيس قسم التراث المعماري ببلدية دبي، بمحاضرة بعنوان "القدس والتراث المعماري في الإمارات" عرض فيها أبرز المحطات التاريخية المضيئة والمظلمة التي مر بها المسجد الأقصى والقدس الشريف في التاريخ القديم والحديث ثم أعطى لمحة عن مميزات تراث ومعمار الإمارات باعتباره ينهل من مختلف أنواع المعمار الإسلامي والعربي بشقيه التراثي الأصيل والمعاصر، فيما تحدثت زميلته د. إيمان العاصي، خبيرة تراث ببلدية دبي، عن أحد طرق الحفاظ على التراث المعماري للقدس القديمة من خلال عرض بعنوان "ترميم البيوت القديمة في مدينة القدس القديمة" لتختتم الندوة بكلمة أ. هارون الصويص، رئيس القسم العربي بإذاعة برلين من ألمانيا عبر تقنية الائتمار عن بعد، تحدث فيها عن التعتيم الكبير الذي تمارسه السلطات المحتلة في القدس على المعالم التاريخية والتراثية العربية من تغيير للأسماء والمسميات وتحريف لتاريخها واستغلال ذلك أسوأ استغلال من خلال عرض هذه المعلومات المغلوطة على الزوار والسياح بمعظم اللغات إلا العربية وتعمد عدم إبراز التجمعات السكنية لعرب القدس لدى الآخر لطمس صورة كل ما هو عربي في أذهان الغير. وخلال النقاش المفتوح الذي تلا المحاضرات الستة أثيرت العديد من التساؤلات والتعقيبات من طرف الحاضرين والحاضرات من أعضاء هيئة تدريس وطلبة ومتخصصين.  

تحرير الأقداس العربية والإسلامية لن يتم إلا عبر مشروع نهضوي:

استهل د. سعيد عبد الله سلمان حديثه من برلين وسط حضور مثقفين وأكاديميين من جامعة ألمانيا الحرة بتهنئة صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان رئيس مجلس أمناء الجامعة، على حصوله على الدكتوراه الفخرية من جامعة بدفورد شاير البريطانية، وقال أنه يعتز بالرعاية الحانية والمتواصلة للجامعة بكل كياناتها ولكل فعالياتها الثقافية بما فيها هذه الندوة. ثم بدأ عرضه بطرح عدد من التساؤلات مثل ما المغزى من طرح هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات؟ وما هي الإشارات المراد إرسالها من افتتاحها غرباً من برلين واستكمالها شرقاً في عجمان؟ ولماذا نريد أن نحتفي بالقدس عاصمة للثقافة العربية في الوقت الذي تتعرض فيه لأبشع أنواع المؤامرات ومحاولات التخريب والتزييف ومحو تراثها وعمارتها المقدسية الأصيلة؟ وما الذي عسانا نقدمه للقدس وللأمة ونحن في حالة من الضعف والهوان غير مسبوقة؟ وأضاف: "أسئلة كثيرة لي اليقين أنها تخامر أذهانكم، وقد يجيب عرضي هذا وعروض ضيوفنا المحاضرين بعجمان عنها وقد يظل بعضٌ منها كذلك حتى بعد أن نختم ندوتنا بإذن الله! وهذا أمر أعتبره حميدا، فهو إنما يدل على الوزن الثقيل للقضية التي نتناولها! إنها قضية ليست كباقي القضايا! وجاءت في زمن ليس كباقي الأزمنة؟ قضية تختزل تاريخ أمم وحكايات حضارات والحال الذي آلت إليه خير أمة أخرجت للناس! لقد آثرنا افتتاح هذه الندوة من برلين ومن مقر الشركة الألمانية الإماراتية للتجارة والخدمات، باعتبارها الراعي الحصري لهذا الحدث وبحضور أشقاء لنا من جامعة برلين الحرة يحملون نفس همنا، لكي نُقرب إلى أذهانكم وقلوبكم بعض ملامح ما نطلق عليه "المشروع النهضوي للأمة" وهو ما ندعو إليه! فإذا كان جميع المؤرخين يجمعون على أن حال القدس ظلت على مر العصور والأزمنة ترمومترا لحال الأمم وآخرها أمتنا، فإنني أقول من نفس المنطلق أن ما آلت إليه القدس يدق نواقيس أخطر من تلك التي دُقَّت قبل الفتح العمري وتحرير صلاح الدين، ويستنفر كل ذوي البصائر وأولي العزم من النخب العربية والإسلامية! إن احتفاءنا بالقدس عاصمة للثقافة العربية يجب أن يتميز وأن يتمثل بأمور عملية تقدم شيئا عدا التباكي على الأطلال وغير جلد الذوات ولعن الأعداء والحنين إلى أمجاد الأجداد! السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بإلحاح هو ما الذي يمكننا القيام به في إطار مسؤوليتنا التاريخية لحماية القدس الشريف أفراداً ومؤسسات؟ إننا نرى بأن الأمة أحوج ما تكون إلى وضوح رؤيتها وتبنيها لمشروع نهضوي يُصلح من حالها ويستنهض همم أبنائها كحال الأمم التي سبقتنا في نفض غبار الانكسار والتردي وأصبحت رائدة في حمل مشعل الحضارة والتقدم، فكلمة السر في تاريخ تقدم الحضارات والأمم هي "المشروع النهضوي"، مشروع ناضج يحمل لواءَه الحكماءُ والنخب من العرب والمسلمين، مشروعٌ قادر على استنهاض الهمم وتعبئة القدرات وتفجير مكامن الإبداع بمختلف أنواعها مع التدافع الإيجابي عوض التصادم السلبي المهلك المدمر الذي أفرزته التجارب البشرية مؤخرا بسبب انسلاخها من كل ما يمت للأخلاقيات والمبادئ الإنسانية السامية بصلة ويسهم من ثم في استرجاع الأمة لعزتها ومنعتها من جديد. ولعله عُرِفَ عني أنني دائم التكرار لعبارة "أصلحوا التعليم ثم أصلحوا به الميادين الأخرى"، وهي دعوة أكررها في مقامنا الطيب هذا وأعتبرها من الأسس الثابتة للإصلاح الشامل وأبرز ملمح من ملامح المشروع النهضوي، فإذا كنا أقمنا هذه المؤسسة -وأعني شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا- على دعائم ثلاثة هي التعليم والمعلومات والاستثمار فإنني أعتقد أن ريادة عملية الإصلاح تنطلق من الأبعاد ذاتها، ونحن ألفينا خلال تجربة تطورنا من كلية متواضعة عاجزة في قدراتها ورجالها ثم جامعة ثم شبكة فَمَحْضِناً لملامح مشروع نهضوي شامل أن جميع الكيانات والمشاريع التي أنشأناها في الداخل والخارج، شرقا وغربا، لم تنأ عن هذه الرؤية الثلاثية الأبعاد -وما أفرزته من ثوابت وآليات- بصرف النظر عن مكانها وزمانها. ولعل المشاريع التي أطلقناها هنا وهناك في إطار جهودنا لإرساء ملامح المشروع النهضوي للأمة تجسد بالملموس ما أقوله. فالحل هو بيت للحكماء والنخب يجمع أبناء الأمة من الموهوبين ومن تيسر لهم النبوغ والريادة من ذوي الفكر الواضح ومن أولي عزم يحملون هم النهوض بالأمة وممن يستشعرون عظم الأمانة الملقاة على عواتقهم وجسامة المسؤوليات المنوطة بهم وممن يدركون إمكانية الاضطلاع بها في الداخل والخارج ومن كل موقع وُجدوا فيه، وهو أمر قمين بتخريج أجيال من المبدعين والمبتكرين في شتى المجالات. وهذه الرؤية نابعة من إيماننا الراسخ من أن الأمة لن تنهض من كبوتها  إلا إذا أخذت بأسباب القوة التي تتمثل في خلق بيئة إبداع شاملة تُسَخِّر كل الوسائل الحديثة والمحدثة وترصد كافة الموارد البشرية والمالية للإصلاح والنهوض وتوقف نزيف هجرة الأدمغة الذي يعاني منه العالم العربي الإسلامي فينتج عن ذلك تسجيل براءات اختراع وابتكارات علمية وفكرية يغمر ضياؤها كل الميادين الأخرى. فالمشروع النهضوي للأمة ليس مشروع شبكة جامعية أو شركة أو فرد أو منظمة أو دولة، وإنما هو هَمّ أمة بكاملها وبمختلف مكوناتها وفئاتها. ولذلك حرصنا على الإيفاء بما التزمنا به من ثوابت ورؤى تعبر عن الحلم الذي نسعى له ونرى ملامحه في مشروع نهضوي تكاملي ينطلق من رؤية متكاملة لم تخل مراحل تطبيقها من معاناة، كما لم تخل من نشوة الإنجاز!  وقد قمنا بخطوات حثيثة في تأسيس بيئة الإبداع الشاملة كمفهوم شامل يستحث همم النخب –وأنتم منهم- على المستوى المحلي والقومي والعالمي ويدعو إلى الاستفادة من إسهامات الأدمغة المهاجرة في الداخل والخارج واستثمار خبراتها المكتسبة فيما ينفع الأمة، فيسهل بذلك نقل الإبداع من الخارج إلى الداخل إلى حين اكتمال مقومات البيئة الحاضنة للإبداع داخلياً ووضوح ملامحها. كما نظمنا فعاليات متعددة للتوعية بأهمية إنشاء بيت للحكماء والنخب، وشاركنا مع آخرين في تظاهرات عالمية في مختلف بقاع العالم وأخذنا المبادرة في الدعوة لأكثر من مؤتمر وفعالية خلال فترة زمنية قصيرة وجهنا فيها العديد من الرسائل تصب جميعها في تأسيس بيت الحكماء والنخب كمدخل لتحديد ملامح مشروع نهضوي تتبناه الأمة بشكل عام. وتزامن هذا مع إطلاق عدد من المبادرات هنا وهناك شملت تدشين كرسي المياه باليونسكو وإطلاق كرسي الإعجاز القرآني -مع الدكتور/ زغلول النجار- بشبكة الجامعة ومساق تاريخ القدس أيضا والذي أعلنا عن نيتنا في إطلاقه خلال الندوة الأولى التي نظمناها عن القدس واستضفنا فيها سماحة الأخ الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى كما أن هذا المساق سيكون النواة التي سيبنى عليها مشروعنا المستقبلي "كرسي القدس" بنفس المنهجية والآليات التي أسس عليها مشروع "كرسي الإعجاز القرآني". وقد أوليت أهمية خاصة لإطلاق هذين المشروعين باعتبارهما مشروعين غير عاديين! كيف لا والأمر يتعلق بالقرآن الكريم وبالقدس الشريف! وما أكثر المشاكل والأزمات التي يشهدها العالم صباح مساء بسبب سوء الفهم لهذا الكتاب المقدس والخير الذي جاء به للعالمين، وأيضا بسبب التزييف والتحريف الذي طال هذا المكان المقدس "القدس الشريف" والذي كادت نيرانه تغشى أذهان الأجيال الناشئة بسبب المسميات المغلوطة والحقائق التاريخية المزورة التي يتداولها المتربعون على سدة الإعلام العالمي والذين أصابت شظاياهم الحارقة –للأسف- عددا من وسائل إعلامنا العربية الذين انجروا وانساقوا وراء هذه المسميات المغلوطة والحقائق المحرفة تارة بسبب قلة الوعي والتمحيص، وتارة أخرى بسبب غفوة الضمير وغياب القضية وغلو المنهج، ولعل محاضرنا الجليل معالي المهندس/ رائف نجم يفيض علينا من علمه في هذا المجال بحكم خبرته ونضاله الطويل خصوصا في إشكالية ربط التاريخ بعلم الآثار فمعاليه كما يقول العرب "من أهل لبدتها". فالرسالة التي أبتغي توصيلها من خلال تركيزي على بيت الحكماء والنخب هو التأكيد على أنه النواة الأساس التي لن ينطلق أي مشروع نهضوي بغيرها! وتفعيل هذه النواة هو القادر وحده على تفجير القدرات الكامنة وتحقيق الإبداع تلو الإبداع والاختراع تلو الاختراع والجديد تلو الجديد، ووقتها فقط سيغدو تراثنا ومقدساتنا وحضارتنا موضع احترام ومهابة، فنحن لا نريد الحب ولكن نريد المهابة! وحينها فقط يتوقف الذين في قلوبهم مرض عن امتهان كرامتنا وتدنيس مقدساتنا والعبث بدماء إخواننا العرب والمسلمين في القدس الشريف وغيره من البقاع. و التاريخ يشهد والأحداث تشهد أننا لن نحرر مقدساتنا ونسترجع هيبتنا وهمتنا وأراضينا المغتصبة إلا إذا تضافرت جهودنا وتكاملت تحت مظلة مشروع نهضوي قادر على توفير الوقت والمال والجهد فيتحقق المراد عمليا ويصبح واقعا ملموسا وليس مجرد أقوال بلا أفعال، أو محض جدال وتباكٍ على الأطلال. وإذا كان بيت الحكماء والنخب هو الوعاء الفكري والعقل المدبر لتحقيق المشروع النهضوي، فإن ما يخطط له من مشاريع بحاجة إلى كيانات استثمارية ومالية داعمة حتى تضمن استمراريته وتطوره ثم نجاحه. وقد جاء إطلاقنا لمبادرة بنك الأمة الإسلامي الشامل (تحت التأسيس-برلين) في هذا الإطار، كما جاءت رعاية الشركة الإماراتية الألمانية للتجارة والخدمات –من برلين- لهذا الحدث في هذا السياق أيضا، ويتميز تصورنا لهذا البنك بكونه يؤسس لأهداف استراتيجية بعيدة المدى وبعيدة كل البعد عن المنطق السائد للبنوك والقائم على منطق الربح ولا شيء سوى الربح ولا شيء سوى الجشع ولا شيء سوى الطمع، فهذا البنك يأتي ضمن منظومة اقتصادية ذات أبعاد استثمارية واجتماعية وثقافية وإنسانية من خلال فكر تكاملي جديد يعنى بالجانب الربحي Profit والاستثماري وأيضا الجانب غير الربحي Non-Profit وفيه المشروعات الثقافية والفكرية والخيرية المختلفة! وبما أن "السفينة لا تمشي على اليبس"فالهدف من تأسيس هذه المنظومة الاقتصادية هو توفير الرساميل والموارد المالية القادرة على تطبيق وتنفيذ المشاريع والمبادرات التي سترسم ملامح مشروع نهضوي للأمة بشكل معياري وأخلاقي سواء كانت بحوثا علمية أو براءات اختراع أو رعاية أبناء المهاجرين والمغتربين في الغرب والذي خصصنا له مؤسسة خاصة أطلقناها من العاصمة الألمانية برلين تحت مسمى "جمعية رعاية أبناء المغتربين العرب والمسلمين" مهمتها مساعدة أبناء المهاجرين والمغتربين على الحفاظ على هويتهم العربية والإسلامية وحمايةً لهم من الانسحاق والذوبان في هوية وثقافة ولغة الآخر، وذلك إعدادا لهم ليقودوا هذا المشروع النهضوي ويرعوه حق رعايته لعل الله يجعل خلاص القدس وغيره من البقاع المحتلة على أحد أيدي هؤلاء وما ذلك على الله بعزيز. إن احتفاءنا بالقدس عاصمة للثقافة العربية هو فرصة لنا جميعا لتعزيز مقومات ثقافتنا وترسيخها وإعادة الاعتبار للغتنا العربية ولتاريخ أمتنا وتصحيح شتى أنواع التزييف والتحريف التي لحقته. وهو مناسبة أيضا لاستنهاض همم أبناء أمتنا العربية والإسلامية وإطلاق مشاريع ومبادرات قابلة للتطبيق تتكامل جميعها لتؤلف مشروعا نهضويا يكون أبناؤنا وأحفادنا فخورين بإتمام تطبيقه وسعيدين بقطف ثمراته ويرفعون من ثم هاماتهم عالية بين الأمم. ولن يتأتى هذا كما أسلفت في بداية العرض إلا من خلال تظافر جهود جميع النخب داخليا وخارجيا في إطار مشروع نهضوي متماسك اللحمة لا يشوبه شرخ ومن خلال مبنى متراص الأركان ولا يعتري لبناته ضعف ولا هوان.

القدس في خطر:

قسم معالي المهندس رائف نجم محاضرته إلى شقين، الأول بين فيه أهمية القدس بأبعادها الثلاثة التاريخية والدينية والثقافية. فأهميتها التاريخية- يقول معالي رائف نجم- تكمن في عراقتها التاريخية كونها نشأت قبل 5,000 سنة وتصارع عليها العديد من الأمم وتعرضت لمختلف ألوان وصنوف الصراعات والاستعمار وستظل على الرغم منها عربية. أما أهميتها الدينية فتتجلى في أنها بوابة السماء من الأرض بحيث عرج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء في الإسراء والمعراج من المسجد الأقصى وعرج سيدنا عيسى عليه السلام من كنيسة القيامة إلى السماء وهي مدينة المحشر يوم القيامة ولها أهمية فريدة عن كل مدن العالم وهي تتوج اليوم عاصمة الثقافة لعام 2009، ناهيك عن كونها متحفا يجمع كافة الثقافات. أما الشق الثاني من العرض، فتحدث عن المعالم الإسلامية الموجودة داخل البلدة القديمة التي لا تزيد عن كيلو متر مربع واحد علما أن مساحة المسجد الأقصى هي 114 دنم. وانتقد معالي رائف نجم الإعلام العربي الذي يعتبر المسجد الأقصى فقط هو القدس دون إدماج المساحة التي حوله والمتكونة من 114 دنم، مضيفا أن الأمة العربية الإسلامية لا تتنازل عن أي شبر من أراضي فلسطين مهما كان الثمن. وأشار معالي رائف نجم أن مزاعم اليهود بوجود مملكة داوود باءت دائما بالفشل، إذ لم يستطيعوا إثبات وجودها في سلوان جنوب القدس، كما أفاد أن الصهيونية قامت لتبرير وجود إسرائيل الحديثة التي قامت بدورها على كذبة كبرى معيارها الاستيطان وطرد الأهل الأصليين (الفلسطينيين) لاحتلالها، فلم يكونوا يصلون قبل القرن الـ 17 عشر بعد طردهم من إسبانيا على حائط البراق الذي هو ملك للقدس! والجدار الغربي كما شددت عصبة الأمم التي أصبحت هيئة الأمم المتحدة هو جزء من أملاك الوقف الأسلامي للمسجد الأقصى ولا علاقة للصهيونية فيها. وأضاف معالي رائف نجم أنه على الرغم من كل ما نشر وما قيل بخصوص الآثار الموجودة التي يزعمون أنها لهم وأن داوود لم يبن مدينة القدس بل وجدوها قائمة بسبب القناة الصخرية في سلوان، فإن الآثار تبين أن المعالم الموجودة تعود إلى عصر الأمويين، وهذا يثبت أنه لا شيء لليهود وأن القدس مدينة إسلامية وكلها آثار إسلامية. وقد قامت السلطات الإسرائيلية- يقول معالي رائف نجم- من جهتها بالعديد من الاعتداءات وبنت 34 مستوطنة يسكنها ربع مليون يهودي وتهدد كافة المعالم في القدس لأنها تسير وتمتد تحت الأساسات ومعرضة للانهيار بسبب حفريات اليهود، ورغم كل القرارات التي أصدرت ضد الكيان الإسرائيلي لمنعه من استمرار الحفر، فإن الحفريات ما زالت مستمرة عدا الجدار العنصري المتفق على إزالته من كافة الهيئات مفيدا أنه من المخجل أن لا تستطيع 57 دولة اتخاذ إجراءات عملية لإزالة هذا الجدار، كما قال أن خطر السلطات الإسرائيلية يزداد مع ازدياد بناء المستوطنات وتهويد المدينة من خلال بناء مستوطنات تتضمن 72,000 وحدة سكنية وربط منطقة باب الزيتون بمنطقة الرحمة وأيضا منطقة باب الزيتون بسلوان، علاوة على إنشاء مبنى سياحي للزوار المسلمين والمسيحيين واليهود ونفق للسيارات وساحة لصلاة اليهود وحدائق تلموذية جنوب وشمال جبل الزيتون سعيا لتذويب المعالم الإسلامية لتصل وتربط كافة المستعمرات والقدس الغربية وتحاصر الجزء الشرقي من المدينة للحيلولة دون وصول أية قوة عربية إلى هذه المنطقة. وشدد معالي رائف على خطورة المؤامرة التي تتعرض لها القدس من إسرائيل ومحاولاتها المتكررة لإقامة الخنادق والحفر تحت المسجد الأقصى والتي لا يمنعها الفشل من تكرار المحاولة، كما دعا إلى الانضمام للجنة الإعمار التي قامت على امتداد 40 سنة بترميم المسجد الأقصى من مخلفات الحريق. وعرض معالي رائف نجم مجموعة كبيرة من الصور التي تظهر عمليات الترميم الجارية داخل المسجد الأقصى المبارك وصور الهدم ومصادرة الممتلكات التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية من حفر الأنفاق والخنادق سعيا منهم لإيجاد هيكلهم المزعوم في حين يجدون آثارا إسلامية تعود للعصور الأموية والإسلامية دون العثور على أي أثر من آثار "التاريخ اليهودي". وعرض معالي رائف نجم صورا لعدد من البيوت والمباني في القدس الشريف وما يحيط به من مباني رممت وأعيد تأهيلها للسكن مع الإشارة إلى أن مشروع الترميم في القدس لا يوجد له مثيل بالعالم وأن التصميم المستخدم في المسجد الأقصى هو الوحيد من نوعه،  كما جدد التأكيد على ضرورة اضطلاع العاملين في الإعلام العربي بأدوارهم من خلال تحري الدقة، فالمسجد الأقصى هو كافة المساحة المقدسة المباركة من الله عز وجل وليس فقط المباني التي يتكون منها المسجد الأقصى. وفي نهاية حديثه شكر معالي رائف نجم معالي د. سعيد عبد الله سلمان على الجهود المتواصلة التي يبذلها مثمنا مبادرة المشروع النهضوي للأمة التي أطلقها مؤكدا أن ذلك قابل للتحقق لو صدقت النية الصالحة وقويت الإرادة والعزيمة لتحرير ليس القدس فقط بل حل كافة أمور الحياة، كما شكره على مبادرة تأسيس مؤسسة رعاية أبناء المهاجرين والمغتربين واعتبرها خطوة جميلة وسامية في أهدافها واصفا إياها بالقادرة على تقديم الكثير للمغتربين وأبنائهم.

حلم مقدسي:

تحدثت المهندسة ريم عبد الغني، رئيسة مركز تريم للعمارة والتراث عن رغبتها الكبيرة لزيارة القدس وجسدت ذلك من خلال رحلة افتراضية لمدينة القدس القديمة بدأت بوصفها من بداية الحدود الأردنية الفلسطينية والجشع والهوس الذي يمارسه الجنود الأسرائيليون على الحدود الفلسطينية من تفتيش الأطفال الصغار رغم تزويدهم بأحدث تكنولوجيا الأسلحة التي يزودها بها الغرب، معبرة عن حزنها العميق عند رؤية المستوطنات الإسرائيلية على السفوح الجبلية التي يسكنها 350000 مستوطن، لتستطرد بعد ذلك في وصف مختلف وأهم معالم المدينة كمبانيها وطرقاتها وأبوابها التي تقوم على خلفيات معمارية وتاريخية وخصوصيات المدينة وواقعها المليء بالمعاناة بسبب الاعتداءات الإسرائيلية ومحاولة سرقة الملامح الأصلية للأرض، فحياة السكان داخل المدينة وتسامحهم ومعاناتهم وشوارع القدس ودروبها هي ما يرسم ملامح الواقع اليومي للقدس. وشاهدت م. ريم خلال رحلتها أعمال الترميم القائمة لتلبيس القبة بالنحاس المذهب والذي يعتبر إنجازا معماريا هاما باعتباره واحدا من أكبر المباني، كما تجولت في أسواق القدس كالسوق الثلاثي واستمتعت بجمال البيوت في القدس وجمال وبراعة تصميمها واستشعرت قربها من البيوت الدمشقية، وأكثر ما بهرها هو صمود هذه البيوت الأسطوري في وجه التعديات والضغوطات التي تتعرض لها من قبل الصهاينة إضافة إلى محاولات التهويد التي تستهدف طمس هويتها العربية وإلغاء وجودها من سلب بكافة الحيل والطرق القذرة. لتختتم رحلتها الأثيرية بحديثها عن أملها أن يتحقق حلمها وشغفها لزيارة حقيقية للقدس ولبيوتها وشوارها وأسواقها والالتقاء بأهلها.

القدس والتراث المعماري بالإمارات:

عرض المهندس رشاد بوخش، رئيس قسم التراث المعماري ببلدية دبي محاضرة بعنوان "القدس والتراث المعماري في الإمارات" تحدث فيها عن التاريخ العريق والقيم للقدس بدءا من الكنعانيين ثم اليبوسيين ثم حكم سيدنا داوود وحكم سيدنا سليمان وترميم المعبد بعد تدميره وحكم الملك الفارسي واحتلال الإسكندر المقدوني إلى ثورة اليهود على الرومان وحصار القدس وتدميره للمرة الثانية إلى معراج الرسول وبعدها فتح بيت المقدس ودخول الخليفة عمر بن الخطاب واستلامه مفاتيح القدس وبناء المسجد الأقصى وبعدها بناء قبة الصخرة واستلام النصاب ثم تحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي الذي وضع المنبر الذي جاء به من دمشق ومن بعدها حكم عبد الحميد الثاني الذي رفض بيع القدس للصليبيين ومن ثم احتلال الصليبيين لها وبعدها احتلال اليهود لها ثم حرب حزيران 1967 وبعدها حرق المسجد الأقصى على يد شاب يهودي أسترالي وانتهاءً بالأنفاق التي تحفرها السلطة الإسرائيلية حول المسجد الأقصى لمحاولة تدميره. ودعا م. رشاد بوخش إلى ضرورة تجديد العزم والنية للحفاظ على القدس باعتبارها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم من الأرض إلى السماء وكونها للمسلمين والعرب وهم أولى الناس بها، ناهيك عن وعد رسولنا الكريم وتبشيرنا بتحريرها وقرب نهاية ولاية اليهود فيها. من جانب آخر تحدث م. بوخش عن أهم مميزات تراث الإمارات ومعمارها باعتباره ينهل من مختلف أنواع المعمار الإسلامي والعربي بشقيه التراثي الأصيل والمعاصر ثم أنهى محاضرته بشكر معالي د. سعيد سلمان والمشاركين وكافة منتسبي الجامعة والحاضرين.

ترميم البيوت القديمة في مدينة القدس القديمة:

ترميم البيوت القديمة في مدينة القدس القديمة كان موضوع محاضرة د. إيمان العاصي، خبيرة تراث في بلدية دبي، حيث تحدثت عن جهود برنامج إعمار البلدة القديمة التي تقوم به مؤسسة التعاون في حارات القدس العتيقة، وأظهرت أنه رغم كل المصاعب التي تواجهها القدس من الصهاينة، فإنه لا يزال يوجد تفاؤل للحفاظ على الإنسان المقدسي ووفائه للقدس. وتضمنت محاضرتها لمحة عامة تعريفية للموروث الثقافي في فلسطين، وخصوصية القدس وتوصيفا للوضع الراهن فيها والتحديات التي تواجهها لمواجهة حملة التهويد التي تقوم بها السلطات الصهيونية. فالقدس-تقول د. العاصي-  كانت وستبقى دائما مهدا للحضارات والديانات كافة رغم الوضع الحالي الاقتصادي المزري والهدر المالي والبشري إضافة إلى نسبة البطالة المرتفعة واستفحال الفقر، إذ ما زالت للقدس وأهلها تلك القدرة الجبارة والفذة على مواجهة كافة التحديات على مختلف الصعد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهو ما يحتم مضاعفة الجهود للحفاظ على الموروث الثقافي من منطلق واسع استراتيجي وشامل والحفاظ على التراث المعماري في إطار برنامج تنموي. كما نوهت بالدور الكبير لمؤسسة التعاون التي تضم لجانا محلية للحفاظ على القدس تعمل منذ 1983 ويقودها نخبة من رجال الأعمال والمفكرين الفلسطينيين وأنها بدأت ببرنامج إعمار البلدة القديمة في القدس وثبتت الإنسان الفلسطيني وعلمته كيف يتعامل مع الوضع الاقتصادي الذي يواجهه وكيف يتشبث بأرضه وينمي حرفه ويحسن وضعه الثقافي، إضافة إلى طرحها العديد من الأنشطة التي تقوم بها المؤسسة والتي من ضمنها الإعمار الطارئ وصيانة المعالم التاريخية وإعادة تأهيل المباني السكنية التي تعود إلى العهد العثماني القديم في القدس وحماية التراث العمراني.

تعتيم غربي وتقصير عربي

تحدث أ. هارون الصويص، رئيس القسم العربي بإذاعة برلين من ألمانيا، خلال الكلمة التي ألقاها عبر تقنية الائتمار عن بعد، عن التعتيم الذي تمارسه السلطات المحتلة في القدس على المعالم التاريخية والتراثية العربية من تغيير للأسماء والمسميات وتحريف لتاريخها واستغلال ذلك أسوأ استغلال من خلال عرض هذه المعلومات المغلوطة على الزوار والسياح بمعظم اللغات إلا العربية وتعمد عدم إبراز التجمعات السكنية لعرب القدس لدى الآخر لطمس صورة كل ما هو عربي في أذهان الغير، مشيرا إلى أن اللوبيات الصهيونية المنتشرة في مختلف الدول الغربية والمؤثرة في صنع القرار تقوم بدور قذر في ممارسة شتى أنواع التعتيم والتحريف لتاريخ القدس ومعالمها وتزوير كل الحقائق عن القدس في البرامج العلمية التي يدرسها الطلبة في الجامعات والمدارس الغربية بشكل يتماهى تماما مع الرواية الإسرائيلية ويروج لها، وهو ما يستدعي استنفار القوى العربية والإسلامية للتصدي لهذا الأمر واستدراك تقصيرها بخطوات عملية تتجلى في تعريف الغربيين وأبناء المسلمين والعرب في الغرب بفلسطين والقدس والثقافة العربية بشكل عام حتى يتم تصحيح الوضع وفضح محاولات التزييف الصهيونية، ليختم كلمته بدعوة كافة العرب والمسلمين الغيورين على ثقافتهم للتكاثف والتعاون في المشروع الذي أطلقه معالي د. سعيد سلمان بتأسيس جمعية لرعاية أبناء المهاجرين العرب والمسلمين بالغرب والإسهام في حماية الثقافة العربية والإسلامية لدى الأجيال الناشئة هناك.

سبل تمويل ترميم القدس:

خلال النقاش المفتوح الذي عقب الندوة، عرض د. أحمد عنكيط، نائب رئيس جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا للعلاقات الخارجية والشؤون الثقافية، كلمة شكر فيها معالي رئيس الجامعة وكافة المشاركين في الندوة من مركز تريم للثقافة والتراث وبلدية دبي وجامعة برلين المفتوحة والشخصيات الحاضرة وكل الذين ساهموا في إنجاحها ثم تساءل عن كيفية تمويل ترميم القدس، وهو ما أجاب عنه معالي رائف نجم بالقول إن التمويل يكون إما رسميا مثل دائرة الأوقاف الأردنية ولجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك، أو غير رسمي مثل مشاركة الجمعيات الشعبية في التمويل من قبيل مؤسسة التعاون وباقي من المؤسسات الاجتماعية التي تقوم على التمويل الشعبي والتبرعات.

ومن جهته قدم سعادة ثامر سلمان، نائب الرئيس للشؤون الإدارية والمالية، كلمة شكر لكافة الحاضرين مقدرا جهودهم وجهود جميع الساعين لإنهاض الثقافة العربية ونصرة القضايا العربية الإسلامية، مع التأكيد على أن المؤسسات التعليمية والجامعات ومراكز البحث العلمي لها دور كبير في التعريف بالحقائق التاريخية حول القدس وتصحيح جميع المغالطات ليس في أذهان العرب والمسلمين فقط وإنما في أذهان المتلقي الغربي بجميع اللغات وعلى الصعيدين الرسمي والمجتمعي حتى لا تبقى الرواية الإسرائيلية هي المصدر الوحيد والمسيطر والسائد في الأوساط العلمية العالمية.