تحت شعار "أصلحوا التعليم وأصلحوا بالتعليم الميادين الأخرى" نظمت شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ندوة تقاربية في مجلس معالي الدكتور سعيد عبد الله سلمان، رئيس شبكة الجامعة بالجرف في السابعة مساء يوم الثلاثاء الموافق 17 مارس 2009. شارك في فعاليات الندوة نخبة من أصحاب العلم والفكر وصناع القرار والخبراء من الحكماء والنخب من الإمارات والمنطقة العربية الذين يجمعون ما في الهوية من أسباب قوة وما في الحداثة ما لا يناقض الهوية. افتتحت الندوة بآيات عطرة من القرآن الكريم تبعها محاضرة لمعالي د. سعيد سلمان دعا معاليه فيها إلى الجدية والرصانة المنهجية في التعامل مع كل الاحتمالات والتوقعات وعدم ترك مجالاً للصدفة في استشراف التحديات المستقبلية التي تواجه مؤسسات التعليم العالي بنوعيها الحكومي والخاص داخل الدولة وخارجها، بل وتواجه أيضاً مؤسسات التعليم العام من مدارس وكليات الكوادر الوسطى المناظرة.
أشار معالي د. سعيد سلمان إلى دعوته قبل أكثر من عقدٍ ونصف إلى ضرورة العناية بواقع التعليم العالي الخاص في المنطقة العربية بشكل عام والخليج على وجه الخصوص، وأن معاليه قدم حينها وثيقة بعنوان: "إنما التعليم الخاص هو القضية" موضحاً فيها خصوصية الدور الذي يمكن أن يلعبه التعليم العالي الخاص في رفد عجلة التنمية والتطور ودفعه خطوات للأمام، وتمت الدعوة حينها إلى الالتفات إلى الظروف المحيطة بمؤسسات التعليم العالي الخاصة والتي يسهم فيها رجال الأعمال في كل بلد في مهمة يؤمنون بأهميتها هادفين إلى تقديم خدمات جليلة لأفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين.
وأضاف معاليه أنه عنـدما بدأ التفكـير في تأسيـس "رابطة المؤسسات العربية الخاصة للتعليم العالي" في 1996م كان التعليم الحكومي هو الأصل وكان عدد الطلبة في مؤسسات التعليم الحكومي في ذلك الوقت يشكل الأغلبية الساحقة ويتجاوز عشرة أضعاف الطلبة المنتسبين في مؤسسات التعليم الخاصة. وتم التوضيح حينها بأن الرابطة تُعنَى بالتعليم في إطار التكامل والتنسيق مع اتحاد الجامعات العربية لإيماننا بضرورة العناية بواقع التعليم في المنطقة العربية بشكل عام ومنطقة الخليج على وجه الخصوص. وأكد معالي د. سلمان على أن للتعليم هوية واحدة مهما اختلفت أشكاله من عام إلى خاص إلى التعليم المختلط في التملك والتمويل بين الحكومي والخاص، وأضاف بأن معاليه قد أصدر حينها عدة وثائق في دول عربية مختلفة كالإمارات وقطر ومصر والمغرب والسودان وغيرها تتناول هذا الموضوع.
قال معالي د. سلمان إن دعوته الآن تتلخص في القبول بدور التعليم الخاص، مع التأكيد على أهل الرعاية والاختصاص وتحرير المفاهيم مما يلوثها من عفونة النقل الحرفي عن الآخر وأن تكون النظريات والرؤى التي نتبناها عند وضع الإستراتيجيات والسياسات انبثاقية من ذاتية الأمة معبرة عن هويتها، وأن يكون التطبيق هو الرجع الدقيق لصدى المفاهيم ومعالم النظرية التي تجمع بين مزايا الأصالة ومزايا الحداثة وانتقاء أفضل المزايا في تجارب الآخرين وتدقيقها وتكييفها بما يلائم احتياجات الأمة ومُثُلها وقيمها وعناصر هويتها، وأن يكون القائمون على ذلك من الرجال ذوي الكفاءة المنتخبين لا غيرهم لأداء هذه المهمة العظيمة.
وأشار معالي د. سعيد سلمان إلى أن الأزمة العالمية في الاقتصاد والمال وحالة الركود التي يشهدها العالم سوف تؤثر في المستقبل على قطاع التعليم كغيره من قطاعات الحياة البشرية، لذا فقد دعا معاليه دول المنطقة إلى إعادة النظر في دورها الداعم لمسيرة التعليم وإعادة هيكلتها ليس في المؤسسات التابعة لها فحسب وإنما في المؤسسات الأخرى المنشغلة بهم التعليم كجزء من عملية التنمية المجتمعية وعلى الأقل في المراحل الأولى لأي مشروع أو خلال فترات الأزمات المالية والاقتصادية كتلك التي تعصف بدول العالم قاطبة هذه الأيام. وحذر معاليه من أن اهتزاز مؤسسات التعليم العالي الخاص، التي بلغ عددها 58 مؤسسة مرخصة في الإمارات على سبيل المثال تخدم 60% من المنتسبين إلى التعليم العالي بالدولة، يمكن أن يحدث خلخلة تؤثر على بنية التعليم العالي وجودته مما يجعلنا نفقد المعنى العميق لـ "أصلحوا التعليم ثم أصلحوا بالتعليم الميادين الأخرى".
وأكد معالي د. سعيد سلمان على أن مخرجات التعليم والاستفادة منها في تطور الشعوب والمجتمعات لا تلتفت لنوعية المؤسسات التعليمية أهي حكومية أم خاصة أم مختلطة بين النوعين، وإنما المعيار هنا هو الجودة المحققة. فالجامعة المختلطة في التملك والتمويل تقارب في نظامها الصفة القانونية للجامعة الخاصة وخصوصا في التنظيم واستقلالية الإدارة وقلة التكلفة، والأمر لا يؤخذ بالمطلق ولكن يمكن الاستفادة من التجارب الناجحة للمؤسسات الحكومية حين تكييفها لتلائم هذا النوع الجديد من التعليم المختلط في التمويل والتملك، لتستفيد مؤقتاً من الدعم الحكومي في مرحلة زمنية من تطورها لتجابه ظروفا اقتصادية أو مالية خارجية قاهرة مثل هذه الظروف التي نعيشها في وقتنا الراهن بسبب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. وعبر معالي د. سلمان عن اعتزاز شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بأنها أول من ربط التعليم بالاستثمار في إطار معلوماتي، الأمر الذي أدى إلى خفض الكلفة بنسب طردية تناسب نمو البيئة الافتراضية التفاعلية، وفق مفهومنا للجامعة كنظام مفتوح في إطار التعليم كنظام مفتوح.
واستكمل معاليه بقوله أن مؤسسات التعليم بجميع أنوعها الحكومية أو الخاصة أو المختلطة لا تُعَدُّ نوعاً من الهدر والإنفاق غير المنظم، ففي ضوء الرؤية الشاملة التي قامت عليها شبكة عجمان وفلسفتها التعليمية أمكن تحقيق الجودة بأسرع وقت وبأقل تكلفة دون هدر أو إسراف. فجودة التعليم يمكن تحقيقها بتكلفة منخفضة بشرط توافر الشروط لإنجاح هذا الأمر ومن أهمها وضوح الرؤية وتهيئة بيئة للإبداع يكون أبرز ما فيها إعداد الرجال والفـراسة في اختـيارهم، وقبـل كل شيء توفيق الله عز وجل، ونوه معاليه إن الأمر يتطلب العمل على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والتربوية والمالية والاجتماعية عبر فرق بحث وعمل تبدأ بالحصر الكمي لمؤسسات التعليم بأنواعها ثم التصنيف الكيفي لها واستعراض نقاط الضعف لمعالجتها ونقاط القوة لتعزيزها. وأكد معاليه على أننا قادرون أن تحقيق ذلك شريطة ألا يكون الحماس وقتياً كما جرت العادة ثم يموت، وعلى ألا يكون هذا الكلام مجرد محاضرة نظرية فقط فكثير من المؤتمرات والندوات والمحاضرات انتهت قراراتها وتوصياتها إلى الأدراج وعليه دعا معاليه من حضر ومن لم يحضر من أصحاب شجن التعليم إلى تفعيل ما تم التوصل إليه من توصيات، وأكد أن النجاح يمكن أن يتحقق على يد رجال أمناء وأولي عزم وما أكثرهم في أمتنا فهم سيوف لم تمتشق من غمدها.
وفي نهاية محاضرته، شكر معالي د. سعيد سلمان الحضور ودعا إلى استمرار التواصل بين الحضور لتحقيق القاعدة التي تتردد دائما في أدبيات شبكة جامعة عجمان، أن لكل حدث وشجن ما قبلة وأثناءه وما بعده ... وما بعده يبدأ الجهاد الأكبر.
وفي كلمته أشار سعادة الأستاذ حسين آل صالح رئيس مجلس إدارة كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا بسلطنة عمان، إلى أن دعم الدول العربية للقطاع الحكومي لا يزال أكبر بكثير من الذي تتلقها مؤسسات التعليم الأهلي، وأكد على أن إنشاء الجامعات المختلطة في التمويل هي جديدة من حيث الطرح والتطبيق، ويجب أن ينظر إليها كدراسة حالة يمكن تطبيقها على مستويات أوسع، كما طالب بضرورة تضافر الجهود بين اتحاد الجامعات العربية ورابطة المؤسسات العربية للتعليم الخاص من اجل النهوض بالتعليم على كافة أشكاله ومستوياته.
أما سعادة الدكتور عبد الله بن موسى الطاير الملحق الثقافي للمملكة العربية السعودية الذي أشاد بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في التعليم الخاص لكونها بدأت من حيث انتهى الآخرون وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية تقوم بدعم الجامعات الأهلية مع الاحتفاظ باستقلاليتها المالية كما أنها استطاعت وبالتجربة أن تقوم باستخدام الوقف الخيري لدعم الطلبة غير القادرين كلياً أو جزئياً وهو ما ساهم في تعزيز تنمية التعليم الأهلي في المملكة.
أما الأستاذ الدكتور عبد الحميد البعلي مستشار الهيئة الاستشارية العليا للعمل على استكمال أحكام الشريعة الإسلامية بالديوان الأميري بدولة الكويت فقد نوه إلى إمكانية معالجة المشكلة بإنشاء مصارف استثمارية تدعم التعليم يكون للدولة فيها الغلبة، فالتعليم هو الصياغة الركيزة للمواطن لحماية قوام الوطن والمحافظة على هويته، كما طالب بوضع وثيقة تتضمن مبادئ وأهداف ما تطالب به الأمة في مجال الخروج من الأزمة العالمية الراهنة، من خلال تشكيل فرق بحث وعمل كل في مجاله.
وفي السياق نفسه تحدث الدكتور محمد عبد الرزاق الصديق، رئيس مؤسسة آفاق التنمية للدراسات وللاستشارات، عن أهمية إنشاء وقفية خيرية تصب في الاستثمار والدعم في العلوم والتكنولوجيا لتخريج كوادر مؤهلة ذات خبرات عملية يمكنها أن تخدم نفسها وأمتها، كما أشار إلى أهمية إيجاد ثقافة تعرف بثقافة الوقف والتبرع والعطاء للعلوم والتكنولوجيا للارتقاء بالأمة.
الأستاذ الدكتور حسين حامد حسان، رئيس هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لسوق دبي المالي وبنك دبي الإسلامي، أشار إلى أن الحكومات كانت تدعم التعليم الأهلي في السابق واتخذ من جامعة الأزهر نموذجاً لذلك، إلا أن هذا الأمر لم يستمر لعصرنا الحالي، ولكن البنوك وشركات التمويل الإسلامية قد أنفقت مئات الملايين في الاستثمار الخيري في مجال لتعليم من زكاة حقوق المساهمين ففي الإمارات وحدها تم إنفاق أكثر من 300 مليون درهم في هذا المجال، كما استشهد بقول الأمام الشاطبي أن كل مسألة لا يترتب عليها عمل يعني استثمار لهذا في حياة الناس هو شيء زائد فيه مضيعة للوقت، فكل ما جاء في العلوم الإسلامية جاء ليطبق في واقع الحياة، ومن هذا المنطلق أكد الدكتور حسان على أن الخبرات والاستشارات التي يمكن أن يقدمها العلماء في مجالات العلوم المختلفة تشكل عجلة لدفع مؤسسات التعليم في اتجاه تنموي صحيح، واختتم مقولته بأن التعليم هو من أفضل أوجه الإنفاق الخيري.
أكد على وجوب تبني آليات عمل للاقتصاد الإسلامي حتى يمكنه أن يمارس دور البديل للنظام الرأسمالي والاشتراكي، وفي حديثه عن ضرورة تمويل المتفوقين والمبدعين من طلبة التعليم العالي، أكد على ضرورة استقراء تجربة بنجلاديش في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لخريجي الجامعات باستخدام الآليات التي قدمها الشرع الحنيف والتي عادت بالنفع على قطاع عريض من المتميزين، والنظر في إيجابيات هذه التجربة والأخذ بها مع اجتناب السلبيات التي قد تكون شابتها.
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربة المستخدم. باستخدامك هذا الموقع، فإنك توافق على شروط سياسة الخصوصية الخاصة بنا.